البطريرك صفير والبابا يوحنا بولس الثاني... معركة واحدة من أجل الحريّة والسلام

شارك :

عام1997 كانت الرسالة. رسالة مدوّية بوجه الظلم والظلام. رسالة لشعب يستقي النور بعد زمن من التجارب والتنكيل والمؤامرات. عام 1997، البابا يوحنا بولس الثاني يطلّ على اللبنانيّين برفقة البطريرك نصرالله بطرس صفير، من قلب حريصا، من سيّدة لبنان، حيث الجبل يعانق البحر والأمل، ويحتفظ بأسرار وصلاة العديد من المؤمنين، وأمام أنظار العالم المتّجهة يومها نحو أرضنا، أعلن بابا السلام بالصوت العالي والحازم ما كان قد كتبه عام 1989: "لبنان أكثر من وطن، إنّه رسالة حريّة ونموذج في التعدّديّة للشرق وللغرب".

وحدة المسيحيّين ووحدة المسلمين، فوحدة الوطن

بلد للعيش المشترك أراده البطريرك صفير، مرتع للحريّة بالرغم من حروب الآخرين على أرضنا. سيّدٌ بالرغم من الإنتهاكات، وَفِيٌّ لجذوره حتى منتهى الدهور.
عام 1992، شرح البابا يوحنا بولس الثاني الغاية من قوله الشهير في لبنان كاتباً: "في ظلّ تنوع طوائفنا، وبعد المعاناة الطويلة، سوف ندرك تمام الإدراك أننا جميعًا أخوة، أنّ لبنان أكثر من بلد، وأنه وفقًا لدعوته التاريخية، رسالة أخوّة وحريّة وحوار"، ليلاقيه البطريرك صفير قائلاً: "العيش المشترك هو جوهر لبنان ورسالته الحضارية". ويضيف: "إنّ الكنيسة المارونية التي بلغ عمرها أكثر من ألف وثلاثمائة عام تعمل بإيمان وثقة على تقوية صيغة العيش المشترك بين اللبنانيين، لأنها لا ترى معنى للبنان ورسالته الحضارية من دون هذه الصيغة التي هي أساس رسالته".
عدا عن مساعي البطريرك لإتمام مصالحة الجبل وترسيخ الحوار الإسلامي-المسيحي، كانت رؤيته لوحدة مسيحيّة ولوحدة إسلاميّة، فوحدة وطنيّة... فأبواب بكركي كما أبواب الفاتيكان ظلّت مفتوحة للحوار بين الأديان. وهل ننسى كيف فتح البطريرك صفير صالون بكركي لاستقبال المعزين في رحيل الشيخ حسن خالد، مفتي الجمهوريّة؟
بنظره، إنّ حماية لبنان من الفتن والمطامع الخارجيّة لا تكون إلّا بوحدة الشعب؛ فالدولة المتماسكة في الداخل لا تقدر عليها مؤامرات الخارج.

النضال لكرامة الإنسان وحريّة الشعوب

غبطة البطريرك وقداسة البابا، مسيرتان متشابهتان؛ فكلاهما عايش آلام وطنه. كلاهما رفض الحرب والإساءة إلى كرامة الإنسان وانتهاك قيمة الحياة. التوق إلى الحريّة طبع خطواتهما، حرّك ضميريهما حتّى صارت حريّةُ شعبيهما، قضيّةَ كلٍّ منهما. وبالرغم من اختلاف الإطار الزمني والمكاني للأحداث، كانا مواظبَين على النضال في سبيل المظلومين. فمن أجل الحفاظ على الشعوب وإنهاء الحروب، اعتمدا المساعي الدبلوماسية، فكانت المقاومة السلمية و"محاربة الحقد بالحبّ".
والبابا القديس، لعب أيضاً دوراً أساسيّاً في حفظ أمن وسلام موطنه بولونيا، ساعياً دون كلل إلى تجنيبه الانزلاق في الفتنة خلال الحرب الباردة، مرتكزاً على صلابة الإيمان من أجل السلام.
أمّا البطريرك صفير، فلم يصمت خلال مرحلة الوصاية، "قال ما قاله" بجرأة، سار مع شعبه وأمام رعيّته دون تردّد حتّى نيل الاستقلال الثاني عام 2005. فالشعب المتضامن والموحّد الذي ناضل من أجله، نال بوحدته، الحريّة، واستعاد مفتاح السيادة والاستقلال.
في هذا السياق، لا يسعنا إلّا أن نردّد قَسم الشهيد جبران تويني:
"نقسم بالله العظيم،
مسلمين ومسيحيّين،
أن نبقى موحّدين،
إلى أبد الآبدين،
دفاعاً عن لبنان العظيم".

وعد أخير
99 عاماً من الحياة، 99 عاماً من النضال كتبوا في تاريخ لبنان قرناً من المسيرة نحو الحريّة والسيادة... في 12 أيّار 2019، أغمضَ بطريرك العنفوان عينيه تاركاً شعباً ينبض بالحياة، ولا يشيح نظره نحو الأرض إلّا ليحوّلها إلى قطرة سماء. فنَم قرير العين لأنّ رسالتك التي أردتها مع القديس يوحنا بولس الثاني سوف تبقى خالدة شامخة "كالأرز في لبنان".
وعلى درب كبار المتواضعين سنحفظ الرسالة ولن نتنازل عن لبنان، وعن حريّة وسيادة لبنان، والعيش المشترك في لبنان، فكما كنت تقول، لا حياة من دون حريّة، فلنبقِ الحريّة، "لأنّنا إذا عدمناها، عدمنا الحياة".
شارك :

البطريرك صفير

الحرية

السلام

حرر فكرك

لا تقرأ وترحل .. شارك قول رأيك

0 تعليقات: