الشرق ينهض ولبنان سينجو

شارك :

صدر تقرير عن الشركة البريطانية الدولية للخدمات المالية والبنكية ستاندارت شارتيريد، في أوائل العام الجاري، يتوقع فيه حجم اقتصادات الدول في العام ٢٠٣٠ أي بعد عقد من الزمن تقريباً، ووفقاً للتقرير فإن تغييرات كبرى سوف تطرأ على ترتيب أقوى الدول الاقتصادية حول العالم.
الدراسة اعتمدت مبدأ احتساب معدل يعكس تعادل القوة الشرائية مع الناتج المحلي الإجمالي للدول، وأنا أعتقد بأن هذه الطريقة هي المثلى والأكثر واقعية لقياس دخل الدول، لأنها تأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية داخل هذه الدول. وبحسب هذا التصنيف فإن سبع دول ناشئة سوف تدخل ضمن أقوى ١٠ اقتصادات حول العالم.
إذاً وبحسب نتائج التقرير، فإن الصين ستتبوّأ المركز الاول، والهند في المركز الثاني، والولايات المتحدة الاميركية في المركز الثالث، ثم إندونيسيا، فتركيا في المركز الخامس، ومصر في المركز السابع، وروسيا في المركز الثامن. وطبعاً حسب التقرير، فهذا الترتيب هو في العام ٢٠٣٠. وبناء على نتائج هذا التقرير أود أن أستشرف معكم مستقبل لبنان الاقتصادي بشكل خاص والمنطقة المحيطة بشكل عام، بشرط أن لا تحدث حروب كبرى طاحنة أو كوارث طبيعية مدمرة.
بدايةً، لا بد لي من الاشارة بأنني دهشت من توقع دخول مصر في المركز السابع وقبل روسيا رغم المؤشرات التي كانت تتحدث عن تطور اقتصاد مصر في العقد المقبل، وطبعاً هو خبر يبعث على السرور بين أبناء المنطقة، وكلنا يعلم الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به مصر العربية، بالإضافة إلى قيمتها التاريخية والدينية والثقافية. هذا النمو المتوقع في مصر تقابله مشاريع عملاقة شرعت السعودية بتنفيذها على البحر الأحمر، ما سينتج طفرة اقتصادية بكل ما للكلمة من معنى، وسوف تبنى مدن جديدة وأماكن للترفيه من الأضخم والأحدث في العالم، ما يشكل نقطة جذب عالمية نظراً لجمال المنطقة وطقسها الجميل طوال السنة.
في الجهة المقابلة، سوف تتربع تركيا في المركز الخامس، وهو مركز متقدم جداً لا بل مبهر إن حصل. وتركيا أيضاً هي الأخرى ذات موقع استراتيجي مهمّ، بالإضافة إلى أنها دولة مصنّعة ومصدّرة وتمتلك أجمل الشواطئ، وفيها أكبر مطار في العالم، كما أنها سوف تكون منطقة جذب عالمية لجمال مدنها وتراثها وتاريخها وحتى ثقافتها التي بدأت تطغى على ثقافات أبناء المنطقة، وقد أعلن في الايام القليلة الماضية عن اتفاق تركي قطري لإنشاء أضخم مدينة ترفيهية في العالم، وكل هذا يصب في ازدهار المنطقة وتطورها، وهي دولة تمتلك علاقات جيدة مع أوكرانيا البلد الصناعي والزراعي، وروسيا الدولة العظمى ذات التاريخ العريق.
في محيطنا المباشر هناك الحرب السورية التي انهكت الجميع. وأظن أن الوقت قد حان لوضع أوزارها وبأي شكل ممكن، وعلى المدى القصير. وتترافق هذه الحرب مع قرب الإعلان عما يسمى بـ"صفقة القرن"، وكل ما يحدث الآن من توتر في الخليج بين أمريكا وإيران أو داخل سوريا بين روسيا وإيران لا يعدو سوى كونه تقليم أظافر وفرض أمر واقع لتهيئة كل العناصر الضرورية لنجاح هذه الصفقة التي إذا ما وافقت جميع الاطراف عليها، بغضّ النظر عن الربح والخسارة، فإن المنطقة سوف تدخل في زمن الاتفاقيات والمصالح المشتركة والمتبادلة، ولنا أن نتوقّع حجم المبادلات وحجم النمو الكبير، وذلك بدأ من ليبيا غرباً حتى العراق شرقاً، ومن روسيا شمالاً حتى السودان جنوباً.
هذه المنطقة معروفة طبعاً بنموها الديمغرافي الكبير، وهو عنصر مهم جداً لأي نمو اقتصادي، كما أن المنطقة تتمتع بموقع عالمي فريد وغناء فاحش بكل أشكال الطاقة، ولبنان يقبع في قلب هذه المنطقة التي ستبدأ بإعادة إعمار سوريا مع ضخّ ما يقرب من ٥٠٠ مليار دولار، وهو رقم كبير ولا بد للبنان أن ينتهز هذه الفرصة وخصوصاً أنني لا أعوّل كثيراً على مردود الدولة من استخراج الغاز من المياه اللبنانية، إذ أتوقع أن يكون مردود الدولة السنوي وعند إنتاج الذروة لا يتخطى ١٠ مليارات دولار أميركي في العام، ما سيكفي فقط لسدّ خدمة الدين العام تقريباً الذي أتوقع أن يتخطى حاجز الـ ١٢٠ مليار دولار في حينه.
إذاً، تبقى فرصةٌ لموقع لبنان في هذه المنطقة، وعليه أن يتصيدها ويحافظ على دوره الحيادي الايجابي ليلعب دور الوسيط وتهيئة طاقات كادره العلمي والتقني المتميز للعب دور مركزي في رفد حاجات دول المنطقة بالعقول، وعلى الدولة ان تواكب هذه الفرصة ومباشرة من دون تضييع الوقت لسنّ قوانين عصرية تسهيلية ومحفزة للاستثمار والمكننة وتطوير البنى التحتية من مرافئ ومطارات وطرقات سريعة عبر أموال "سيدر" لتلبية الاحتياجات المستقبلية وللإفادة القصوى لتنمية الدخل القومي، وإذا ما أمكن تخطي حاجز الـ ١٠٠ مليار دولار كناتج اجمالي في العام ٢٠٢٥ وذلك لدحر خطرالدين العام عن موقع لبنان المالي وكيانه كدولة، كما مطلوب إشراك وجوه جديدة في العمل السياسي تكون ذات حيثية وليس أزلاماً، وتسريع وتيرة القضاء على الفساد نهائياً. مع العلم أن دول المنطقة الفاعلة من مصر وتركيا والسعودية حزمت أمرها لتلحق بركب التطور والإنماء والحداثة، وعلينا الاقتداء بهم لا بل أن نكون السباقين إذا كان علينا النجاة والنهوض.
شارك :

حرر فكرك

لبنان

لا تقرأ وترحل .. شارك قول رأيك

0 تعليقات: