الإحساس بالذنب هو ما يشعر به شخص يعتبر أنه إرتكب خطأ أو إثماً ما، بغض النظر عما اذا كان ما ارتكبه صحيحاً أم لا. وفي ما يخصّ الحياة الجنسيّة، وَقْع الإحساس بالذنب على درجة كبيرة من القوّة، إجتماعياً أو ثقافياً أو تربوياً أو دينياً. وهذا نتيجة لحصر موضوع الجنس طيلة قرون طويلة إما بالإنجاب أو بالإنحراف. لذا ليس من السهل الوصول إلى الإشباع والتمتّع بالفعل الجنسي عند الشعور بالذنب
المتعة الجنسية مفهوم حديث؛ وعيشها والإستسلام لها والإستمتاع بها بشكل مطمْئِن ليس من البديهي... قد يشعر الشخص بأنه مُخطئ ومُذنب لمجرد ورود أفكار في هوّاماته أو عيش حلم ما في اليقظة أو في الخيال. كما أنه قد يشعر بالذنب في اللاوعي بسبب أفكار خطرت بباله رغم أنه يجهل أنه فكر بها كونها لم تطفُ أبداً إلى يقينه الواعي. وعادة لا يفهم الشخص أسباب إحساسه بالذنب ولا يفقه ماهيته إلا إذا لجأ إلى إختصاصيي التحليل النفسي لمساعدته في توضيح مشاعره ومعرفة أسبابها التي تكمن حكماً في مرحلة ما من مسيرة حياته.
المعايير والقيم والسلوكيات التي يفرضها المجتمع تؤثّر بشكل كبير على سلوك الشخص وأحاسيسه وتصرفاته. وعندما يخرج عن هذه المعايير المكتسبة منذ طفولته ويخرقها، ينتابه إحساس بالخروج عن الطاعة وعدم الإنصياع لهذه القيم وللمحظورات التي ترافقها. جميع الدراسات الحديثة عن الإحساس بالذنب، أي الشعور السلبي الذي يرافق الجنس، تؤكّد تفاقم هذه الأحاسيس كلما اعتبر الشخص أنه خرق الأعراف الإجتماعية من خلال حياته الجنسية وتمرّد على القيم العائلية والدينية والتربوية عموماً.
جملة من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء هذه الحالة تكمن في أن الجنس بنظر مجتمعنا هو من المحظورات من الناحية الأخلاقية، كما أن التشدّد التربوي في هذا المجال والتمسّك بالقيم الدينية والعائلية، فضلاً عن الأهمية التي نُعطيها لنظرة الآخر لنا ولأحكامه علينا ولتعلّقنا بالعادات والتقاليد في المحيط، هي من العراقيل التي تقف في طريق التطوّر الجنسي والنفسي وتحول بينه وبين عيش الحياة الجنسية والإستمتاع بها من دون محاسبة الذات والإحساس بالذنب.
ولهذه الأسباب يرتبط الإحساس بالذنب الذي يرافق الجنس إلى حد كبير، بموقف الأهل وبالمعتقدات الشخصية أكثر من الأصل العرقي والوسط الإجتماعي. وفي تربية يتّخذ فيها الأهل موقفاً تقليدياً وسلبياً من الحياة الجنسية ويشجبونها، يكون مستوى الإحساس بالذنب الذي يتزامن مع كل ما يتعلق بالجنس مرتفعاً لدى الشباب بعد سن المراهقة، ذكوراً وإناثاً، المتحدرين من تلك العائلات. وهذا ما يُثبت أن العائلة هي المصدر الأول للتنشئة الجنسية والنفسية لأن موقف الأهل عامل مهم يُصنِّف الطفل من خلاله سلوكاً ما بأنه طبيعي سواء كان جنسياً أو غير ذلك.
والمعايير في مسألة السلوك الجنسي تختلف بشكل كبير بين الأوساط الإجتماعية المحافظة والمنفتحة، فبعض المجتمعات تنظر إليها بشكل سلبي للغاية إلى حدّ منع حصولها خارج إطار الزواج. وفي مجتمعات مماثلة، الإحساس بالذنب يلازم الحياة الجنسية وتكون له مترتبات ومضاعفات سلبية على الصحة النفسية عموماً وعلى الصحة الجنسية خصوصاً. وللتذكير، أكّدت دراسات سابقة أن حجم الذنب الذي يرافق الجنس مرتبط إلى حد كبير بتفاعل أقل إنفتاحاً مع التحفيز الجنسي؛ ومع تجارب ومعلومات جنسية منقوصة وما يرافقها من عدم رضى جنسي، قد يصل الأمر لاحقاً إلى حد التسبّب بمشكلات جنسية وعجز جنسي كلّي أو جزئي. كما أن الإحساس بالذنب الذي يرافق الجنس يمكن أن يؤدّي أيضاَ إلى سلوك جنسي محفوف بالأخطار، كعدم إستخدام وسائل منع الحمل أو وسائل الوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً وحتى عدم إستخدام هذه الوسائل بشكل صحيح.
دور الأهل يكتسي أهمية قصوى كونهم قادرين على مساعدة أولادهم المراهقين في الحدّ من السلوكيات الجنسية الخطرة من خلال الحوار المفتوح حول الجنس ومنحهم ثقافة جنسية كاملة واضحة وصحيحة خلال جميع مراحل نموّهم.
وبما ان وَقْع القمع أو الكبت الجنسي يكون عنيفاً للغاية منذ الولادة، أفضل مثال يمكن أن أعطيه في هذا المجال هو موضوع سفاح القربى (inceste) بحيث لا أحد يقول للطفل ويُخبره في العلن وبكل وضوح "بأنك لن تقوم بأي علاقة جنسية مع أي فرد من العائلة أو الأقرباء - والدك ووالدتك وأختك وأخوك، إلخ... - مهما كانت درجة محبّتك لهم وثقتك بهم". علماً أن إحترام هذا المبدأ بديهي وتطبيقه في الحالات العادية أمر مفروغ منه رغم أنه يبقى غير مُعلن وغير مُفصح عنه عبر الأجيال. "المبادئ غير المُعلنة أكثر فعّالية من المحظورات كون ما هو محظور يمكن معارضته، لكن ما هو غير مُعلن لا يُفسح المجال للتمرّد".
- الكبت أو القمع الجنسي لدى المولود الجديد: تتم تربية المولود الجديد وفقاً للمبادئ "غير المعلنة" على النحو الآتي: فهو الذي أبصر النور من جرّاء عمل جنسي بين والديه، وتطوّر وكبر في بطن والدته وخرج من رحمها عبر مهبلها. يُسمح له منذ ولادته بمشاعر وأحسايس مختلفة ولكن يحظر عليه أي شعور جنسي تجاه هذه الأعضاء التناسلية والمناطق الحميمة من الجسد، وإن كان هو لا يرغب سوى بأمر واحد، العودة إلى أحشاء والدته. وهذه الرغبة تؤدي بالتأكيد دوراً محورياً في مجرى حياته الجنسية في المستقبل.
-الكبت والقمع الجنسي خلال الطفولة: يتواصل الإحساس بالذنب تجاه الجنس خلال الطفولة حتى لو كانت العائلات التي يكون فيها الآباء والأمهات مثقفين، تتقبّل نوعاً ما إهتمام الطفل بأعضائه الحميمة وبأعضاء الآخرين. إلّا أن ذلك لا يمنع معاملة هذه الأعضاء بطريقة مختلفة عن بقية أعضاء الجسم، فهي تتمتّع بمعاملة خاصة: "العزل".
-الكبت والقمع الجنسي في سن المراهقة: يتواصل الإحساس بالذنب الذي يرافق الجنس خلال المراهقة عندما تكون الشهوة والرغبة الجنسية في أوجها وتدفع المراهقين من دون إستثناء نحو الإستمناء. تأتي هذه الأحاسيس لتعكّر العلاقات الجنسية الأولى: خوف من المجهول، خوف من الخيانة، محظورات، أمراض، حمل... هذه الأحاسيس حاضرة أيضاً في الخيارات الجنسية، لا سيّما إذا كان الميل الجنسي خرج عن المسار التقليدي.
-الكبت والقمع الجنسي لدى البالغين: الإحساس بالذنب لا ينأى بنفسه عن الحياة الجنسية للراشدين: الخوف من تدنيس الشريك، وعدم إحترامه، الخوف من عدم الإرتقاء إلى توقّعاته أو عدم إرضائه، إلخ...
الإحساس بالذنب في العلاقات الجنسية هو أحد أهم الأسباب لجميع الإختلالات والمشكلات الجنسية.
لا تقرأ وترحل .. شارك قول رأيك
0 تعليقات: