أيتها
الفاضلة أربعي على نفسك، ولا تجعليها تلهث وراء متاعها القليل، واحذري أن
يكون جل اهتمامك بمكاسبها المادية والشكلية فتلك دوامة تصبغ ساعات يومك
إرهاقا وقلقا، ولا ثمرة من وراء ذلك إلا الحيرة والوهن، فمن يفرح بها
ويطمئن لا يتعدى بصره قدميه، وما تلبث أن تسحقه بزيفها.
وأنت
أيتها المسلمة التي ترجو حسنة الدنيا وحسنة الآخرة وتبغي النجاة من النار
والفوز بجنة الخلد، ولا تدخري وسعا في اتباع هدى الله والسير على سبيل صاحب
البصيرة في دعوته لك فالرحمة أصل دعوته، إليك هذه الإضاءات من سنته المطهرة:
1ـ الحذر من بطر نعمة الله، فذلك كفرها، فنعمه سبحانه لا تُعد ولا تُحصى قال تعالى: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} القصص: 58.
ولكن
العدو اللعين لا يألو جهدا في صرف الإنسان عما منحه الله، وطمس القلب عن
نعمائه ليسهل له قيادة كل غافل إلى هاوية البؤس والشعور بالحرمان، فيتبدل
إحساسه من الشكر والسعة والامتنان إلى الضيق والكفر والخسران.
2ـ أزيلي الصدأ عن رؤية القلب وإدراكه، وتفكري بصدق..
كم
من الأشياء تمنيتِها وحلمت بها وسألتِ الله أن يحققها لك ولعل ذلك كان
شفاء أو سعة رزق أونجاح أو زواج أو أبناء أو قلب يحمل لك مودة وتقدير أو أو…؟.. وقد أجابك الوهاب فما بالك الآن لا تبالين بها ولربما سخطيها..
تُرى..
هل طال عهدك بها وقد يورث طول العهد شيء من الملل وظننتِ أنك امتلكتِها،
وأنها أصبحت أمرًا ثابتا وعاديًا، وقد قيل كثرة المساس تذهب الإحساس فلحقك
الزهد فيها، وخاصمتك الحكمة فتبلد الشعور بها، وعشش العمى في القلب ولم تعد
عيناك ترى إلا نقائصها فما كان منك إلا ازدرائها والاستخفاف بها؟!
أفيقي.. فجحود النعم مدعاة لزوالها واحرصي أن تكوني من أهل شكر الله فهم أهل زيادته.
3ـ ها وقد تذكرتِ قليلا وبصرتِ بقوله سبحانه: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}. إبراهيم: 34.
فهاهي نعمة الله الكبرى، أن جعلك من المسلمين، فهل من قلب يفقه عظم تلك النعمة فيشكر؟.
4ـ
تمهلي وأدركي كم نمتلئ همة وحماسًا حين يغمر أثاثنا ومتاعنا غبار أو اتساخ
ونهب، فننفق الأوقات والجهود والأموال لنُزيل ذلك الأذى عن أعيننا ولا
اعتراض فالنظافة من الإيمان.
لكن.. أليس من الأحرى أن نتعهد قلوبنا ونصحح ما قد يعتريها من العمى، فقد قال عز وجل: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}.
الحج: 46.. فنجدد العهد بما يحيطنا من النعم ونزيح ما علق بنا من فتور
وإهمال لها، تعاملي مع تفاصيل النعمة لتري كم هي سعتها، فلا يمكنك إحصائها
كمًّا ولا كيفًا.
5ـ
وما أجلّها من نعمة تلك التي تنير القلب وتطفيء نيران الجحود فيه وهي بين
أيدينا ولكننا قد نعطرها ونغلفها وندير ظهورنا عن الإبحار فيها، إنه كتاب
الله ومعجزته الكبرى وحجته الباقية.
وأعيذك
بالله أن تكوني ممن تتوقف همتهم على اقتناء المصاحف والتفاسير لتوضع على
الأرفف، فإذا التفتَ إليها فبتلك النظارة السوداء على بصيرة القلب، فيقلب
صفحاته على فترات بقلب غافل لاه.
فلنخشَ جميعًا أن نكون ممن شكا منهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}. الفرقان: 30.
أيتها
الفاضلة احذري فهناك لون من ألوان العمى يصيب القلب وهو عمى التكيف،
بالغفلة عن المنعم عندما تكثر النعم وتعظم، فيحسب البعض أنها من كسبه، حتى
إذا لاحت ريح تغيير تكاد تقترب منها تعود الصرخات تعلو من القلوب، وتكاد
الخطى تضل عن الطريق وتعمى عن حكمة الرحيم حين أراد بنا أن نفيق لنسارع
بإزالة الغشاوة، ونستسلم لعمليات تصحيح البصيرة علّنا نكون من أولي الأبصار
الفائزين.
لا تقرأ وترحل .. شارك قول رأيك
0 تعليقات: