المال لا يصنع أسرة سعيدة.. أوقفوا غلاء الزواج

شارك :

يظل المرء حائرا تتقاذفه صراعات المدنية يتلفت حوله يبغي السكينة لأنفاسه فلا يجدها إلا في تجلي نعمة الخالق القائل سبحانه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. الروم: 21. فتهفو كل نفس لهذا الزواج الذي يكون مستودعا لإجابة احتياجات تلك الفطرة السليمة ويجتمع الرجل والمرأة في ظل ميثاق غليظ ترتكن عليه دعائم الأسرة، ولأن عقد الزواج هذا هو بلا شك أقدس عقد بين إنسانين يجمع بينهما في شركة قوامها الحب والمودة والرحمة، فلا بد إذًا من بذل الجهود لتنقيته مما لحق به مفاهيم وعادات بغيضة وأعراف بالية ساهمت بالقدر الأكبر في العزوف عنه، وإفساده إذا ما تم،  وأبعدته عن روح الشرع ومقاصد الشريعة الفاضلة.

فهل لنا أن ننتبه إلى بعض النقاط التي تنير لنا كيف وضعت العراقيل وبنيت السدود وظهرت المثبطات أمام  ذلك الرباط المقدس:

أولا: أن العليم الخبير لم يكلف نفسا إلا وسعها، وأمر بأن يكون الإنفاق على قدرالطاقة لذلك لم يجعل معيار الزواج الغنى والثراء، بل أقامه على الاستطاعة والصلاح، قال صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج"

ثانيا: أمر الله بصداق المرأة وهو ما يعرف بالمهر، وهو من باب تكريمها وتعبير عن مكانتها، فإذا بالنفوس المريضة تتلاعب به وتحيطه بكثير من الممارسات السيئة حتى جعلته عقبة كؤود في طريق الزواج فبين من يغالي فيه بلا سبب ومن يلغيه ولا يقيم له وزنًا.

ثالثا: أصبح الإقدام على خطوة الزواج وكأنه اشبه بخوض معركة ستواجهها كلا من أسرة الشاب وأسرة الفتاة، وإن كان لكل مجتمع تقاليده فاختلاف صور تلك المعارك لم يخرجها من كونها أزمات وضغوط لها عواقبها على أفراد ومجتمعات أمتنا.

ونظرة إلى بعض الصور التي منها:

ـ ذلك المفهوم الذي عشش في أذهان الكثير من أن عظم المهر الذي يقدم لأسرة الفتاة يحول دون وقوع الطلاق ويقف حائلًا أمام حدوثه أو التلويح به وكأن الاصل أن نحسب حساب الطلاق قبل الزواج، فإذا بنا نواجه بحالات تصرخ فيها زوجات يردن الخلع وعلى استعداد لأي شيء حتى يفتدين أنفسهن من حياة لم تبنى إلا على الطمع والكراهية.

ـ الاعتقاد بأنه لابد من الضغط على المتقدم للزواج لاستنفاذ كل ما يمكن تقديمه من ضمانات مادية لاختبار مدى حرصه على مصاهرة تلك الأسرة، وأن ذلك سبيل لرسم طريق سعادة زوجية مستقبلية، فإذا بنا قد تغافلنا عن حسن الاختيار وغرس الثقة بين الأسرتين، فلم نعد نبالي من أين يأتي المال أو ما قد يورث تلك الاستجابات من حقد وكراهية وشعور بجشع وظلم.

ـ تظن بعض الأسر التي ترغب في الارتباط ببعضها البعض أن ارتفاع مهر الفتاة هو الضمان لمستقبلها، وأنه كلما علا المهر فذلك يعني أنها شيء غالٍ، ومن العجب أن يجتمع هذا الفكر لدى أسرتي الشاب والفتاة ولم يتدبرا قوله سبحانه: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} الكهف: 46. وأن تلك الصالحات هي ثمن للجنة "سلعة الله الغالية".

ـ البعض يخيم عليه الوهم أن المغالاة في المهر عنوان الافتخار وشرف مكانة ومباهاة فيعميه ذلك عن طلبه البركة والتيسير في ذلك الزواج فقد الحديث: "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة".

وقد تتخذ تلك المغالاة من بعض الأولياء أحيانا في إعضال من في ولايته عن الزواج خاصة إن كانت تعمل أو لها دخل فيؤثر الانتفاع بما تدره عن تزويجها.

ـ إن المغالاة في المهور تستتبع الإسراف في الإنفاق والتبذير وبذل الأموال في إعداد الولائم وإهدار النعم، فهل تذكرنا أن نعم الله إذا لم تكرم فإنها تنفر، وإذا نفرت فلن تعود.

ـ عندما تكون عادة بعض المجتمعات تعاون الأسرتين في تجهيز منزل الزوجية ويزداد الضغط على كاهلهما يكثر الاختلاف على الاتفاق، فالكل يريد من الكل الإسراف في التجهيز ومتاعا بلا حدود ولا مراعاة للظروف، وتزيد مساحة الطمع إذا ساد المجتمع عنوسة الفتيات واليقين بأن قطار الزواج قد يفوت ويتدلل الرجال ويهددوا بعدم الرغبة في الزواج فيتنازل الأولياء عن المهور ويصبح إتمام الزواج شيء من المعجزات، وسرعان ما يكسد الزواج ويسارع الشيطان بطرح سوق السفاح.       

شارك :

ارتقاء

أسرة ومجتمع

الزواج

المال

لا

لا تقرأ وترحل .. شارك قول رأيك

0 تعليقات: